ضَـــرْبُ سَـمِــيـــرُ



تزامنا مع بداية الموسم الدراسي، بدأ جيراننا استعدادهم لعام دراسي جديد ربحًا للوقت قبل ازدحام المكتبات.. وبعد أقل من أسبوعين التحق الأطفال بمدارسهم، بما فيهم أطفال حيِّنا، وبعد أسبوع من التسجيل شَرَعَ المعلمون في التعرف على التلاميذ، ثم أجروا بعد ذلك تقويمات تشخيصية لهم؛ بغية معرفة مستوياتهم...

.. سمير تلميذ يدرس بالمستوى الثالث الابتدائي.. طفل منعزل عن باقي زملائه، لا يتكلم مع أحد بقسمه الجديد.. ذات يوم، بينما كان معلم سمير يصحح التقويم التشخيصي مع التلاميذ، نادى سميرا قائلا: سمير، انهض وأنجز التمرين التالي في الرياضيات.

كان سميرٌ خائفا، ومرتبكا، ليس من التمرين، وإنما من زملائه الذين يقهقهون، ويضحكون من أبسط الأشياء.. وقف أمام السبورة لينجز عملية طرح، فكان موفقا في حلها، حفزه المعلم بقوله: أحسنت..

ثم طلب منه أن يحل عملية أخرى، لكن العملية هذه المرة كانت عملية الضرب، ولخوف سمير، ارتبك مرة ثانية، غير أنه هذه المرة لم يكن موفقا، فقد نسي طريقة حلها، وبقي مشدوها، حاول لكنه أخطأ، فوبخه المعلم صارخا في وجهه: ظننت أنك تلميذ مجد ونبيه، عد إلى مكانك أيها الكسول..

رجع سمير محبطا إلى مكانه دون أن ينطق ببنت شفة طيلة الحصة، وبعد أن رنَّ الجرس خرج الجميع فرحين إلا سميرًا، فاخذوا يسخرون منه لأنه أخطأ.. وعندما عاد إلى البيت انتبهت أمه إلى حزنه، فسألته عن السبب، ولكنه لم يجبها، فبادره الأب هو الآخر بالسؤال: ما بك يا بنيَّ؟

- أجابه سمير بكلمة واحدة لا غير "ضَرْب"، وسكت من شدة إحباطه.

- قالت الأم: يا لطـيـــــــــــــــف، منْ ضَرَبْتَ يا بُني؟، أَقَتَلتَهُ؟ أَجَرَحْتَهُ؟ أَ أُغْمِيَ عليه؟؟..

- قال الأب: من ضَرَبَكَ يا بُني؟ من؟ سأذهب وأريه جحيما لم يره قطُّ..

- (أخدت الأم تُوَلْوِلُ) ثم قالت: لا تخف يا بني، إن ابن خالتك رحمةَ رجل شرطة، وأخته محامية، وسيدافعان عنك، لأنك ما زلت صغيرا، ولن تدخل السجن..

- ثم قال الأب: لا تخف يا بني، غدا سأجمع رفاقي، وأذهب معك لكي أقسم رأسه إلى نصفين..

لم ينطق سمير ولو بكلمة واحدة طوال حديثهما، وبعد مدة قال: ليس كذلك!!، فبادرته الأم بالسؤال: أَضَرَبْتَ أصبعك بالسكين أو يدك؟ أم "ضَرَبَتْكَ" سيارة؟

-قال الأب: عرفت ما بك، لقد ضَرَبَكَ المعلم، أليس كذلك؟

-قال سمير: لا، إنني قمت وضَرَبْتُ العامل الأول في الثاني، فلم تكن النتيجة صحيحة..

-قال الأب صارخا في وجه سمير موبخا إياه: قبحك الله يا مجنون.. يا متوحد.. يا جبان.. يا كسول، لماذا تتلعثم وتخرس؟ ما سبب خوفك؟..

قرر سمير مرة أخرى أن يمازح أمه فقال لها: أمي لقد تضاربا وتناطحا مع بعضهما.

- سألت الأم مستغربة: من؟!

- فأجاب سمير: لقد ضربت العامل الأول في الثاني يا أمي فدخلا مع بعضهما البعض في عدد واحد..

ثم أردفت الأم قائلة: قبحك الله يا «منحوس»...

         بعد بضعة أشهر، ذات يوم غائم، بينما كانت الأم وسمير في المنزل، خرج سمير فوجد أباه ملقى على الأرض بقرب المنزل، وقد صدمته سيارة، لم يعد الأب قادرا على التنفس أو التحرك.. عاد سمير مسرعا إلى منزله وهو يلهث، فأخبر أمه بالحادث.. لكن الأم لم تصدقه، وانهالت عليه بالتوبيخ كما العادة: كفاك مزاحا أيها «المنحوس»، أراك قد أصبحت مشاغبا وشقيا أكثر من اللازم.. لم تدرك الأم أن كلام سمير هذه المرة ليس بمزحة..

         لقد مات زوجها وتركها تُوَلْوِلُ، وتوبخ باستمرار ابنها سميرا بعبارة: أيها الولد؛ «منحوس».. ومنذ ذلك الحين انقطع سمير عن الدراسة، ولم تعد الابتسامة تُطِلّ من مُحَيَّاه، كما أنه أصبح مختلا عقليا يجوب المدن والشوارع.. فتحولت بذلك تلك الكلمات المحبطة كلها إلى واقع مرير دمر حياة الأسرة بكاملها..

        أفرأيتم كيف أن كلاما كثيرا قد لا نلقي له بالاً قد يسهم في تدمير حياة الآخرين؟؟!!


سلمى الخو
تلميذة بالأولى إعدادي

1 تعليقات

إرسال تعليق

أحدث أقدم